لأول مرة في تاريخ علم الجيولوجيا ، يتوصل عدد من كبار العلماء ، إلى كشف أسرار ما يجري داخل جوف الأرض ، من ثورة هائلة ، نتيجة التفجرات المستمرة التي تعادل في كل لحظة ، انفجار آلاف القنابل النووية دفعة واحدة . و المفارقة الغريبة تكمن في (الحرب) الدائمة في قلب الأرض و (السلام) الجيولوجي الذي يغطي معظم سطحها .
إن مشهد هذا الهياج و الثورات المتواصلة التي يتعرض لها كوكبنا منذ ملايين السنين يبدو مخيفاً إلى أقصى حد ، إذ تبدو الأرض كلها و كأنها داخل مرجوحة كونية متفجرة . و من يعرف هذه الحقائق العلمية-الجيولوجية لا يتعجب من حدوث ثورات براكين و زلازل مدمرة بين الحين والآخر ، بل يتساءل : كيف يمكن للحياة البشرية أن تستمر بهذا الشكل من الاستقرار و الأمان الجيولوجي على سطح كوكب جوفه أشبه بأتون نووي يغلي و يتفجر و يقذف كل ثانية عشرات ملايين الأطنان من الكتل الصخرية و الرماد و المعادن الذائبة ، في حركة تبدو عشوائية و تعطي انطباعاً كأن الأرض تعيش لحظاتها الأخيرة ؟! .
لهذا كله فإن الأرض دائمة الاهتزاز ، و القارات تزحف على بعضها البعض ، و الجبال تتزحلق نحو المحيطات ، و هناك بحار جديدة بدأت تتكون . و يتساءل العلماء: ما هي طبيعة هذه القوة القادرة على نقل القارات و الجبال في عملية ميكانيكية خفية و مرعبة ، بينما الناس يتصارعون على كل شيء فوق قشرة ترابية تغلف ما يشبه ملايين المفاعلات النووية التي أصبحت خارج السيطرة و تنفجر في كل الاتجاهات ؟.!
إن مئات علماء الجيولوجية يستخدمون أحدث التجهيزات ، البرية و البحرية و الفضائية ، الموزعة في شتى أنحاء العالم لكشف هذه الأسرار الجيولوجية التي شغلت العلماء في كل العصور ، في محاولة لمعرفة أسباب هذه التفجيرات الجوفية و مدى تأثيرها حاضراً و مستقبلاً على الكائنات ، و خصوصاً الإنسان المهدد بثورات الطبيعة أكثر من أية مخاطر أخرى .
مناطق ساخنة و باردة:
إن ما يجري في أعماق الأرض يشبه قدراً تغلي على نار قوية ، ما في أسفلها يصعد إلى أعلاها في حركة دائمة . فالحركة المستمرة بين أعماق الأرض و سطحها لا تهدأ أبداً .
إن بعض المراصد الإلكترونية الحديثة . سجلت حركة جوف الأرض و حددت المناطق الساخنة و الأخرى الباردة ، و التفاعل القائم بينها و ما يتولد من لهب و حرارة تصل إلى 12 ألف درجة ، تحول كل الصخور و المعادن إلى مواد سائلة .
و على الرغم من أن البراكين و الزلازل تتسبب بسقوط ملايين الضحايا ، فإنها تفسح المجال لتنفيس الاحتقانات العنيفة جداً ، و لولا وجود هذه المسارب لتطايرت مدن ومناطق بأكملها في الجو ، نتيجة الضغط الهائل المتولد من احتراق الغازات و المواد الجوفية الملتهبة .
مخاطر عالمية:
يؤكد التاريخ الجيولوجي ، القديم و الحديث ، أنه لم يسلم بلد واحد في العالم من الثورات التي تحدث في جوف الأرض ، و من آثارها التدميرية التي تهدد الإنسان والبيئة و عناصر الطبيعة كافة ، و هي يمكن أن تدق أبواب العالم من جديد ، و في أية لحظة مفاجئة ، ناشرة الموت و الدمار و الخراب ، و هي كلها من ثمار ما ينفجر في باطن الأرض ، على عمق يتراوح بين 750 و 3500 كم .
و إذا كانت القارات تبتعد أو تلتصق ، و كذلك الجبال ، نتيجة التحركات الجوفية للأرض ، فإن المنطقة العربية مهددة بدورها بالتشقق ، داخل المنطقة الممتدة من شبه الجزيرة العربية وصولاً إلى العراق و إيران و تركيا . و ما يحدث من زلازل و اهتزازات أرضية ليست سوى مؤشرات على الشروخ المتوقع حدوثها في هذه المناطق ، و سببها الأساسي تفجرات باطن الأرض و غليانه .
نتائج مأساوية:
نتيجة حدوث تشققات أرضية و انزلا قات ، و لو كانت بحدود بضعة سنتيمترات كل عام ، فإن تصادم كتلتين ، تزن كل واحدة منها مليارات الأطنان ، يحدث اهتزازات أرضية و زلازل ، عانى – و سيعاني – العالم الكثير من مآسيها طوال تاريخه . و يتوقع كبار علماء الجيولوجية أن يمتد التشقق الأرضي عبر المنطقة العربية و إفريقيا ، بطول 2250 كم ، و هذا الخط سيمر من لبنان حتى تركيا وإيران ، عبر مصر و السودان و الصومال و أرتيريا .
شقوق ضخمة:
و الجدير بالذكر أن الشق الأرضي أو الفالق العربي – الإفريقي ، يتميز بحركة انزلاق تصادمية عنيفة ، نتيجة الانزلاق الأرضي بنسبة 1.2 سم سنوياً ، و هي نسبة عالية جداً . و ما يحدث من زلازل في المنطقة ، هو وليد هذا الانزياح الأرضي المستمر و المتزايد .
و ظهر الشق الأرضي الناتج عن الحمم الجوفية الملتهبة عام 1837 لأول مرة و نتجت عنه موجة متلاحقة من الزلازل ، ضربت معظم مدن لبنان و الأردن و فلسطين وصولاً إلى مصر و العراق .
أسرار جيولوجية:
تستخدم الآن في الولايات المتحدة و اليابان و أوروبا موجات خاصة لدراسة باطن الكوكب الذي نعيش عليه ، و هذه الموجات السيسمولوجية – الرادارية ، تتردد إلى داخل نواة الأرض ، و هي متصلة بجهاز كمبيوتر متطور جداً ، ينقل ما يجري من عملية تفجر و احتراق هائل ، إلى الشاشة . و تم في جامعة هارفارد الحصول على نحو 40 ألف معلومة جديدة ، يمكن أن تفتح المجال أمام كشف المزيد من الأسرار .
و من بين الأسرار الجيولوجية التي جرى كشفها أخيراً ... أنه كلما همدت عملية الاحتراق و التفجرات ، تندلع حرائق من جديد لتعيد الوضع إلى ما كان عليه في السابق ، تماماً مثلما يجري في قلب الشمس ، لتبقى الحرارة شبه ثابتة ، و كلما ضعفت تحدث انفجارات هيدروجينية – نووية ... ضخمة .
و يقترح بعض العلماء الأميركيين وضع تصميم شامل لاستغلال الطاقة من جوف الأرض ، و ذلك بعدما يشارف النفط و الفحم على النضوب . و من المعروف أن كمية الطاقة المتولدة من الحرارة الجوفية تعادل كل ثانية ما يستهلكه العالم خلال 10 سنوات من مختلف مصادر الطاقة ... أي النفط و الفحم و الذرة و الكهرباء .
و من أهم الإنجازات و الاختبارات التي حدثت في هذا المجال ، ما قام به الألمان ، حيث استطاعوا بلوغ عمق يصل إلى نحو 17.5 كم ، و ذلك لأول مرة منذ بدء الدراسات الجيولوجية التي تركز على كشف أسرار أعماق الكرة الأرضية .