كانت الساعة العاشرة ليلا عندما دخلت الى محطة الوقود، طلبت من العامل فيها ان يملأ خزان السيارة بالبنزين، دفعت له وهممت بالخروج ولكن عيني لمحت سيارة تقف في زاوية موقف محطة الوقود وداخلها شابين في مقتبل العمر، فتحت الشباك لتدخل عبره الى اذاني موسيقى حزينة تملأها عبارات اليأس والحزن والهم باللغة العبرية وكان الصوت عاليا قليلا والشابان داخلها يسهرون ويدخنون.
للوهلة الأولى اعتقدت انهم يشربون الخمر وربما سكروا داخل السيارة، رجعت الى الخلف قليلا وسألت عامل محطة الوقود عنهم، ومن يكونون ولماذا يسمح لهم بشرب الخمر هنا، ولكنه قال لي انه يعرفهم جيدا وليسوا من الشباب المدمنين وليسوا ممن يتعاطون الكحول ولكن كل ما في الامر انهم معتادون على السهر هنا في هذه الساعة حتى ساعات متاخرة ومن ثم يذهبون الى البيت.
وأثناء حديثي مع عامل محطة الوقود اذ بسائق السيارة يلحظ انني استفسر عنهم فيصرخ موجها كلماته الى عامل المحطة قائلا ("هيييييييي، شو بدو هاظا، عندو مشكلة؟؟؟")، تركت عامل المحطة وتوجهت اليه مباشرة ونظرت داخل السيارة فعرفت الشاب الذي يجلس بجانب السائق فقط ولم أتمكن من معرفة هوية الشاب السائق الذي بدا عصبيا وعنيفا للوهلة الأولى، ثم تبسمت ودار بيننا الحوار التالي:
**** السلام عليكم
الشاب: اهلا ماذا تريد
**** لا شيء ولكني اتسائل ما الذي يعجبكم في هذا المكان ولماذا تسهرون في هذه الساعة وداخل السيارة على صوت الاغاني اليائسة ؟
هنا تفاجأت ولم افكر للحظة واحدة ان يفتح قلب ذلك الشاب اوتوماتيكيا وعلامات الاطمئنان بدت تطفو على وجهه وأكمل يحدثني.........
الشاب: والله يا أخي انها الديون والمشاكل التي لا نهاية لها، فلا أدري كيف احل تلك المشاكل ولا ادري من اين اسدد ديوني.
**** ديون ومشاكل .... انت لا زلت صغيرا ولم تخض بعد مصاعب الحياة ولم تتجاوز الـ 22 من عمرك بعد، عن أي مشاكل وأية ديون تتحدث ؟
الشاب: انني ذلك الشاب الذي اراد ان يضحك اصدقائه ويظهر لهم انه البطل الذي لا يخاف من اي شيء، فتارة اسرع بالسيارة ليفاجئني شرطي مع مخالفة سير، وتارة اخرى اظهر عضلاتي لاحد افراد الشرطة واتعدى عليه امام اصدقائي، والكثير الكثير من الامور التي فعلتها وبسببها الان تتراكم علي الديون والمحاكم والملاحقات القانونية .
**** اين هم اصدقائك، لماذا لا يساعدونك في محنتك ؟
الشاب: اصدقائي (ضحكة خفيفة بسخرية)، عن اي اصدقاء تتحدث، والله لا اجد منهم واحدا، ولا احد يسأل عن حالي ولا اعرف لماذا، لم يدمرني سوى اصدقائي.
**** حسنا فهمت، نصيحتي لك قبل ان اذهب لاني مضطر للذهاب فليس لدي وقت، انت لا زلت في مقتبل عمرك ولم تتجاوز الـ22 بعد، وتبدو لي شابا ذكيا ويملأ رأسك العقل، اعمل على ان تخرج من هذا المأزق الذي ربما يبدو لك كبيرا ولكنه صغيرا وليس هناك في هذه الدنيا ما يجعلك حزينا لان تسهر هذه السهرات التي لن تخرجك من مأزقك، بل سيمتلأ قلبك بالحزن والهم، (اسمعها مني روح روّح ونام احسنلك)، وحاول مشاركة الأهل وأناس من اقاربك الذين تثق بهم الذين سيساعدونك في الخروج من هذه المشاكل، ونصيحتي لك ان تعرف من تصاحب وان تفكر كثيرا قبل الاقدام على تنفيذ اي شيء في حياتك لكي لا تقع مجددا بالمآزق، وان لا تسهر مثل هذه السهرات التي ليس لها سوى مضيعة للوقت الثمين وملأ القلب بالهم والحزن من حيث لا تدري. والسلام عليكم .
رجعت الى الخلف قليلا وحركت سيارتي عائدا الى البيت، ثم تذكر وأنا في طريقي الى البيت اني نسيت ان أملأ العجلة بالهواء الذي كان ينقصها، ثم رجعت الى محطة الوقود ولاحظت ان الشباب قد غادروا المكان. سألت عامل المحطة مرة أخرى عنهم، فقال لي انه استغرب هو ايضا لأنهم عادة لا يغادروا المكان قبل الثانية عشرة ليلا، وكانت الساعة حينها العاشرة والنصف.
حينها شعرت بفخر واعتزاز لان حديثي معهم ونصيحتي المتواضعة اثرت فيهم، واستنتجت ان الشباب بحاجة الى آذان صاغية ونصائح مفيدة، وأماكن لقضاء الوقت.
ملأت العجلة بالهواء، انطلقت نحو مركز المدينة وبطريقة لا شعورية انظر في كل مكان لعلي اجد شابا اخر انصحه، ولكني لم أجد، عدت الى البيت لأكتب القصة .واستخلص العبر.